اليوم العالمي لمحو الأمية 8 سبتمبر
"عندما نستثمر في التعلم ومحو الأمية، فإننا نستثمر في الكرامة الإنسانية والتنمية والسلام … فبتعزيز محو الأمية، يمكننا مساعدة ملايين الناس على أن يخُطوا بأيديهم صفحات من الفرص السانحة في حياتهموفي مستقبلنا المشترك"،
هكذا عبّر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة عن رؤية منظمته لمسألة محو الأمّية. فالعلم والتعلّم أحد أهم ركائز عظمة الأمم. اذ لم يعرف التاريخ ازدهار حضارة من الحضارات والأميّة فيها منتشرة. فمن الآشوريين إلى الفراعنة والإغريق والرومان والفرس مرورا بالمسلمين وصولا إلى الأوروبيّين والأمريكان. فكلّ هؤلاء حكموا العالم وازدهرت حضاراتهم وأصبحوا قوى عسكريّة مهابة بالتزامن مع انتشار العلم والإهتمام به. وقد سيطر العرب والمسلمون عامّة على العالم في القرون الوسطى، في الوقت الذي ازدهر عندهم العلم. ثمّ ما لبث أن تراجعوا مقابل تفطّن الأوروبيّين لأهميّة العلم فيما يعرف بعصور النهضة الأوروبيّة. ثمّ ما لبثت أوروبا أن سيطرت على العالم بعد الثورة الصناعيّة في القرنين 18 و19. وبداية من أواسط القرن 20 أصبحت أمريكا والإتحاد السوفياتي هما قطبا العالم، وأصبحت بينهم ما يعرف بالحرب الباردة التي كانت ترتكز أساسا على التنافس والتسابق في المجال العلمي. وقد تزامن انهيار الإتحاد السوفياتي مع انفجار الثورة التيكنلوجيّة والإتصاليّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، والتي جعلت أمريكا تنفرد بالسيطرة على العالم.
بعد الحرب العالميّة الثانية، وبداية انتشار حركات إستقلال الدول المستعمرة، بدأت تظهر للعيان الفجوة العلميّة بين الشعوب حديثة الإستقلال والدول الأوروبيّة، خصوصا منها الإستعماريّة. فاهتمّت الأمم المتحدة عبر منظمتها اليونسكو بالعمل على تقليص هذه الفجوة، لأنّ العلم حسب هذه المنظمة حق من حقوق الإنسان، وركن من أركان التعلّم مدى الحياة، ووسيلة لتعزيز الرفاه وسبل العيش، وهي تشكل بالتالي قوة دافعة لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة. وقد نادت اليونسكو في 17 نوفمبر 1965 بجعل 8 سبتمبر من كلّ عام يوما عالميّا لمحو الأميّة. وكان أوّل احتفال بهذا اليوم في نهار كيفما اليوم 8 سبتمبر 1966. وبقيت الأمم المتحدة تحتفل به في كلّ بلدان العالم في ذلك التاريخ إلى اليوم. وتعرّف الأمم المتحدة الأميّة بـ"عدم القدرة على قراءة وكتابة جُمل بسيطة في أي لغة. ولأساسيات القراءة والكتابة وليست للمستويات المتطورة منها".
أمّا في العالم العربي فإن اليوم العربي لمحو الأميّة هو الثامن من جانفي من كلّ سنة، وإن سبقت اليونسكو بالإهتمام بهذا الموضوع منذ سنة 1954، فإن الأرقام مازالت مفزعة. فلإن شهدت معدلات الأمية في الوطن العربي انخفاضاً كبيراً وملحوظاً في العقود الأخيرة، فقد انخفضت نسبية الأمية الإجمالية من أكثر من 70% في سنة 1970 إلى حوالي 27% في سنة 2013، لكن على الرُّغم من ذلك فقد ارتفعت أعداد الأميين في المنطقة من 50 مليوناً سنة 1970 إلى 70 مليوناً في 2005، كما أن محو الأمية لا زال لا يُواكب المعدلات العالمية، التي انخفضت من 37% سنة 1970 إلى 19% سنة 2008.
وتشير الإحصاءات الآن إلى أن هناك سبع دولٍ عربية قد تخلَّصت تماماً من الأمية بحلول عام 2015، هي قطر وفلسطين والبحرين والكويت وبدرجة أقلّ الأردن. كما إنَّ عُمان والسعودية وسوريا ومصر وتونس تسير في نفس الاتّجاه بوتيرةٍ أقل، وتبقى أكثر الدول العربية سوءاً هي الصومال وموريتانيا واليمن والمغرب.ويقدر بأن محو الأمية في كامل العالم العربي لن يحصل قبل عام 2050. وتبلغ نسبة الإناث من الأميين حوالي 60 إلى 80%.
بالإجمال، تبلغ نسبة الأمية بين الذكور في الوطن العربي 25%، وبين الإناث 46%. وقد أفاد تقرير الرصد العالمي للتعليم في سنة 2011 بأن عدد الأطفال غير الملتحقين بالتعليم في البلاد العربية يبلغ 6188 مليون طفل، كما أن 7 إلى 20% من الأطفال الملتحقين بالفعل بالتعليم يهربون منه خلال المرحلة الدراسية الأولى، بل وتبلغ النسبة في بعض الدول 30%. وقد حذرت منظمة الألكسو من أن هذه الأرقام سوف تشكل واحدة من أهم الأخطار التي تعترض التنمية البشرية والاقتصادية والإنسانية في الوطن العربي. مع العلم أنه بعد مضى 50 سنة على تأسيس اليوم العالمي لمحو الأميّة، استطاعت العديد من الشعوب القضاء على هذا النوع من الأمية، بحيث لم يعد هناك وجود يذكر لها. فإضافة الى الدول الغربيّة استطاعت عدّة دول نامية القضاء تماما على الأميّة مثل كوبا وكوريا الجنوبيّة وألبانيا ومنغوليا. وقد كانت فلسطين (بشطريها غزّة والضفة الغربيّة) أن تكون أوّل الدول العربيّة التي تقضي تماما على الأميّة.